جثة لم تعد بعد.. وأخ لا يزال ينتظر نهاية مؤلمة لرحلة الفقد في غزة
جثة لم تعد بعد.. وأخ لا يزال ينتظر نهاية مؤلمة لرحلة الفقد في غزة
بعد أكثر من عامين على الهجوم الذي شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023، ما زال إلعاد أور يعيش على أمل أن يستعيد جثمان شقيقه درور المحتجز في غزة. بالنسبة له، لا تعني العودة مجرد دفن الجثة، بل إنهاء فصل دامٍ من حياة علقت بين الحداد والانتظار.
درور أور كان واحداً من آخر أربعة رهائن إسرائيليين تأكدت وفاتهم في الهجوم، ويُتوقع أن تُعاد جثامينهم إلى تل أبيب بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر 2025، وفق خطة توسط فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالنسبة لإلعاد، الذي يقف أمام منزله في القدس حاملاً صورة شقيقه، تبدو الكلمات ثقيلة: “نستحق أن نطوي هذه الصفحة، لكننا ما زلنا نعيش داخلها كل يوم، وفق فرانس برس.
في ذلك اليوم الذي غيّر وجه المنطقة، قُتل درور أور، صانع الأجبان من كيبوتس بئيري، إلى جانب زوجته يونات، قبل أن تُنقل جثته إلى غزة لاستخدامها كورقة تفاوض. خُطف في الهجوم أيضاً اثنان من أبنائهما الثلاثة، نوعم البالغ من العمر ستة عشر عاماً وعَلما ذات الثلاثة عشر عاماً، وأُفرج عنهما لاحقاً في الهدنة الأولى في نوفمبر 2023. لم يعرفا سوى نصف الحقيقة آنذاك، فقد بلغهما نبأ مقتل والدتهما بينما ظل والدهما يُعتبر مفقوداً حتى مايو 2024، حين أكدت إسرائيل وفاته.
امتحان قاس
الانتظار بالنسبة لإلعاد أور لم يعد مجرد زمن، بل أصبح امتحاناً إنسانياً قاسياً، يقول وفقا لوكالة فرانس برس: من الصعب جداً أن تكون من بين القلة التي لم تستعد أحبّاءها بعد، بينما يعود الآخرون – أحياء أو موتى – إلى ذويهم.” ومع كل عملية تبادل جديدة، يتجدد الجرح ويكبر السؤال: متى تنتهي هذه الحرب على القلوب؟
بموجب اتفاق الهدنة الأخير، سُلّمت جميع الرهائن الأحياء العشرين و24 جثة من أصل 28 كانت محتجزة في غزة، مقابل إطلاق إسرائيل سراح رفات 15 فلسطينياً عن كل رهينة متوفى، وبقيت أربع جثامين، من بينها جثمان درور أور، ميني غودارد، ران غويلي، والعامل التايلاندي سودنتيساك رينتالاك.
في أنحاء إسرائيل، تتوالى الجنازات منذ أسابيع، آلاف المشيعين يودّعون ضحايا الهجوم الذين عادوا على شكل جثث بعد عامين من الغياب، في إحدى المقابر العسكرية في تل أبيب، وقفت سَبير حمامي، أرملة العقيد أساف حمامي، لتقول أمام النعش: كنت أتمنى نهاية مختلفة، لكن ربما تكون هذه النهاية الهادئة هي أقصى ما حلمت به منذ ذلك اليوم، كلماتها بدت مرآةً لجيل كامل يعيش على حدود الألم والأمل.
أزمات إنسانية
وسط الحشود التي جاءت لتواسي العائلة، حضر والدا الجندي إيتاي حِن، الذي أُعيدت جثته في وقت سابق من الشهر نفسه، والدته، حجيت حِن، تحدثت بنبرة تعبّر عمّا يشبه الإجماع في المجتمع الإسرائيلي قائلة: إعادة جثامين الرهائن ليست مجرد واجب وطني، إنها جوهر العقد الاجتماعي في هذا البلد، كل جندي وكل مواطن يعرف أن الدولة لن تتركه خلفها.
لكن وراء المشهد العام المليء بالرمزية الوطنية، هناك واقع طبي وإنساني ثقيل، في معهد الطب العدلي بتل أبيب، يواصل الأطباء تحديد هوية الجثامين التي أُعيدت من غزة.
رئيس المعهد، حِن كوغل، يقول: "إن بعض الأطباء تركوا العمل مؤقتاً لأنهم لم يحتملوا حجم المعاناة، حين تكون أمام الجثمان، تحاول أن ترى مجرد مادة علمية، لكن عندما تقرأ لاحقاً من كان هذا الشخص، تدرك أنه كان له حياة، كان أباً أو ابناً أو صديقاً".
هذه الكلمات تختصر المأساة التي ما زالت تخيّم على الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، فخلف كل جثمان معادٍ من غزة، هناك أيضاً أسر فلسطينية تنتظر رفات أبنائها من السجون الإسرائيلية، في دوامة متبادلة من الفقدان، واتفاقات تبادل الجثامين أصبحت طقساً متكرراً يذكّر بأن الحرب لا تنتهي عند حدود الميدان، بل تمتد إلى بيوت الحزن على الجانبين.
وفي الوقت الذي يرى فيه بعض الإسرائيليين في إعادة الجثامين خطوة نحو إغلاق الدفاتر المؤلمة، تحذر منظمات إنسانية من أن بقاء مئات الجثامين الفلسطينية محتجزة لدى إسرائيل يشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، الذي ينص على وجوب احترام كرامة الموتى وإعادتهم إلى ذويهم، أما في غزة، فما زالت مئات العائلات تبحث بين الركام عن بقايا أحبائها، دون أن تجد حتى قبراً ترمز إليه بالحجر.
السياسة والقيم الإنسانية
تتداخل السياسة بالقيم الإنسانية في هذه القضية كما في غيرها، حيث تُستخدم الجثامين كورقة ضغط في مفاوضات لا تنتهي وفي ظل غياب تسوية نهائية، يبقى الانتظار سيد الموقف، سواء في تل أبيب أو في غزة.
بالنسبة لإلعاد أور، لم تعد المسألة سياسية أو قانونية، حيث يقول "أريد فقط أن أدفنه"، ويضيف "لا أريد عدالة ولا انتقاماً، أريد أن أعرف أنه عاد، وأنه لن يظل محتجزاً في مكان لا يليق بالإنسان ولا بالموت".
هكذا، بعد عامين من الهجوم، يبدو أن الزمن لم يبرأ بعد من جراحه، الحرب انتهت على الورق، لكن الحداد لا يزال مفتوحاً، والقلوب تبحث عن نهاية، أيّ نهاية، تُعيد للإنسان إنسانيته قبل كل شيء.
في السابع من أكتوبر 2023، شنت حركة حماس هجوماً واسعاً على جنوب إسرائيل أدى إلى مقتل أكثر من 1200 شخص وأسر أكثر من 200 رهينة، وفق التقديرات الإسرائيلية.
ردت إسرائيل بحرب مدمرة على قطاع غزة استمرت أشهراً، وأدت إلى استشهاد أكثر من 69 ألف فلسطيني بحسب وزارة الصحة في غزة، إضافة إلى تدمير واسع للبنية التحتية ونزوح جماعي للسكان.
منذ بداية الحرب، جرت ثلاث اتفاقات هدنة أسفرت عن إطلاق سراح عشرات الرهائن مقابل إفراج إسرائيل عن أسرى فلسطينيين، إلا أن المفاوضات توقفت مراراً بسبب الخلافات حول شروط التبادل الكامل ووقف دائم لإطلاق النار.
لا تزال المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة تدعو الطرفين إلى تسهيل إعادة الجثامين وضمان الكرامة الإنسانية للضحايا، معتبرة أن استمرار احتجاز الرفات يعمّق الجرح الإنساني ويؤخر فرص المصالحة والسلام.











